قبل ان ادخل غرفة المدير تخيلت انه كهل او شيخ قد فارق الشباب و ابيض شعره , و ما ان دخلت حتى صدمني منظره و مظهره ,شاب عشريني حديث التخرج ربما من نفس دفعتي موصلي يتكلم العربية العراقية بلكنة موصلية مميزة , يحاول قدر ما يستطيع تقليد حركات و صوت الطاغية الذي كان يحكم العراق انذاك ربما بسبب التشابه المناطقي و الطائفي بينهما و ربما ليمنح نفسه نوعا من القوة و الهيبة بين المهندسين و الكوادر الوسطية.....
استقبلني بترحاب شديد و طلب لي الشاي و بالغ بالاحترام – للامانة – و استلم مني بكل تقدير واحترام كتاب التنسيب و قد علم سلفا انني مهندس جديد قد اتيت من الجنوب الى بغداد ثم الى الموقع...
ساد جو من المودة بيننا وقد استغرق الحديث بمقدار استهلاك كوبي الشاي لنا , توجهنا بسيارته الحكومية الى داخل موقع العمل الواسع جدا و شاهدت بأم عيني اثار الدمار التي خلفتها الحرب ...
منشآت معدنية و قد انصهرت تقريبا , ابنية قد ازالها القصف من الوجود و مشاهد اخرى تحكي صور الدمار لمنشآت بلد كان ديناره لحد عام 1979 يساوي ثلاثة دولارات و اكثر..
بعد حديث شيق بيننا تبين لي من بين السطور ان هذا اشاب الموصلي الوسيم هو مثلي ربما غير راض بما حل بالبلد من دمار لكنه لا يجرؤ على الكلام فالحيطان لها اذان كما كان يقال و ليس لعراقي ثقة بالاخر انذاك ليبثه شكواه و همومه.....
عرّفني بعد لحظات على زميل اخر اقدم مني ولكنه كائن غريب فمن سحنته السمراء النادرة في تلك المناطق الى لسانه الخليط بين البدوي و الموصلي !!!! ...
يتميز زميلي هذا بغرائب لاحصر لها فمن مسافة بعيدة تشاهد دخان سجائره يخرج من شبابيك الكرفان و حبه للفيديو و الافلام قد جعل الزملاء الاخرين بما فيهم المدير يحترمون رغبته بالعيش وحيداً...
مع حبه للوصول متأخرا ايام الدوام مابعد الجمع و العطل لكنه ماكنة قوية من مكائن العمل بالمشروع لا يكل و لا يمل طيلة وقت العمل .....
انا ايضاً كنت متعطشاً لاثبات الوجود , احبني اغلبهم الا واحد منهم كان عنصرياً فظا غليظ القلب كجده ابو سفيان بن حرب وقد كنت دائم الشجار معه دون ان تصل الى الشكوى المتبادله......
بقيت على حالي شهوراً قليلة بنفس المكان ولكن طموحي لا تلبيه هذه المجموعة فأنتقلت الى الورشة لتطوير نفسي و وجدت زميلا محبوباً , سخر لي كل وسيلة ممكنة لتطوير ذاتي و عرفت بعد سنوات انه فر من العراق الى الخارج نتيجة للاوضاع السيئة ايام الحصار....
انجزنا العمل الملقى على عاتقنا بأقل من اربعين يوماً و ذاق العراق شهد عملنا و بان اثره ولو لايام قليلة في السوق.....
الكثير من التفاصيل لم اعد اتذكرها بعد كل هذه السنوات من عام 1991 الى الان و الكثير الاخر اعرض عن ذكرها لانها غير مناسبة للنشر...
بعد ستة شهور و بالذات يوم 22-11-1991 صدر امر نقلي لمشروع اخر يحتاجني و ربما اكتب عنه لاحقاً...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم
الكلام صفة المتكلم , ارحب بجميع الاراء شرط ان تكون ردودا علمية لا انفعالية و مبتذله....